قِصَّةٌ سَرْدِيَّةٌ: رِحْلَةُ نَادِي الْمَسْرَحِ إِلَى جَرْبَةَ فِي صَبَاحٍ رَبِيعِيٍّ جَمِيلٍ، كَانَتْ سَاحَةُ الْمَدْرَسَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ الطَّيِّبِ الْمِهْيَرِيِّ بِعَمْدُونَ – بَاجَةَ تَعُجُّ بِالْحَرَكَةِ وَالْفَرَحِ، فَقَدْ حَانَ الْيَوْمُ الْمُنْتَظَرُ الَّذِي سَيَشُدُّ فِيهِ نَادِي الْمَسْرَحِ الرِّحَالَ إِلَى مَدِينَةِ جَرْبَةَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْمُلْتَقَى الْوَطَنِيِّ لِلْمَسْرَحِ بِالْمَدَارِسِ الِابْتِدَائِيَّةِ. كَانَتْ وُجُوهُ التَّلَامِيذِ تَلْمَعُ حَمَاسًا، وَقُلُوبُهُمْ تَخْفِقُ فَرَحًا وَأَمَلًا بِالْفَوْزِ. رَافَقَهُم فِي الرِّحْلَةِ مُدِيرُ الْمَدْرَسَةِ السَّيِّدُ عَبْدُ الْبَاقِي الْكَشْرُودِي، مُخْرِجُ الْمَسْرَحِيَّةِ، وَالْمُنَشِّطَةُ السَّيِّدَةُ رِيمُ الْمَغْرَاوِي الَّتِي كَانَتْ دَائِمًا تُشَجِّعُهُمْ وَتَبُثُّ فِيهِمْ رُوحَ الإِصْرَارِ وَالثِّقَةِ. خِلَالَ الأَسَابِيعِ الَّتِي سَبَقَتِ الرِّحْلَةَ، لَمْ يَعْرِفْ أَعْضَاءُ النَّادِي مَعْنَى الرَّاحَةِ. كَانُوا يَتَدَرَّبُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ الدُّرُوسِ، سَاعَاتٍ طَوِيلَةً، مَفْعَمِينَ بِالْحَيَوِيَّةِ وَالْأَحْلَامِ الْكَبِيرَةِ. كَانُوا يُتْقِنُونَ أَدْوَارَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، يَضْحَكُونَ حِينَ يَنْجَحُ أَحَدُهُمْ فِي أَدَاءٍ صَعْبٍ، وَيُعِيدُونَ الْمُحَاوَلَاتِ بِجِدٍّ حِينَ يُخْطِئُونَ. وَقَدْ كَانَتْ مَسْرَحِيَّتُهُمْ الَّتِي حَمَلَتْ عُنْوَانَ "شُدُّوا الرِّحَالَ" ثَمَرَةَ هَذَا الْجُهْدِ الْجَمَاعِيِّ نَصًّا وَإِخْرَاجًا وَتَمْثِيلًا. وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَى جَرْبَةَ، بَهَرَهُمْ جَمَالُ الْجَزِيرَةِ وَدِفْءُ أَهْلِهَا، وَلَكِنَّ تَرْكِيزَهُمْ ظَلَّ مُنْصَبًّا عَلَى الْعَرْضِ الْكَبِيرِ. فِي يَوْمِ الْمُلْتَقَى، وَقَفُوا خَلْفَ السِّتَارِ، تَتَسَارَعُ أَنْفَاسُهُمْ وَتَشْتَعِلُ قُلُوبُهُمْ بِالتَّوَتُّرِ الْمَمْزُوجِ بِالْحَمَاسِ. وَمَا إِنْ أُضِيئَتِ الأَنْوَارُ وَارْتَفَعَ السِّتَارُ، حَتَّى نَسِيَ الْجَمِيعُ خَوْفَهُمْ، وَانْطَلَقَتِ الأَصْوَاتُ وَالْعَوَاطِفُ مِنْ أَعْمَاقِهِمْ فِي أَدَاءٍ صَادِقٍ وَمُؤَثِّرٍ. صَفَّقَ الْجُمْهُورُ بِحَرَارَةٍ، وَابْتَسَمَتْ لَجْنَةُ التَّحْكِيمِ إِعْجَابًا. وَبَعْدَ لَحَظَاتِ انْتِظَارٍ طَوِيلَةٍ، جَاءَ الإِعْلَانُ الْمُنْتَظَرُ: لَقَدْ فَازَ نَادِي الْمَسْرَحِ بِمَدْرَسَةِ الطَّيِّبِ الْمِهْيَرِيِّ عَمْدُونَ بِالْجَائِزَةِ الثَّالِثَةِ الْبَرْنِزِيَّةِ وَطَنِيًّا لِلْعَمَلِ الْمُتَكَامِلِ نَصًّا وَإِخْرَاجًا وَتَمْثِيلًا، كَمَا فَازَ الْمُمَثِّلُ الْمَوْهُوبُ مُحَمَّدٌ يَاسِينَ مَدِينِي بِالْجَائِزَةِ الثَّانِيَةِ وَطَنِيًّا لِأَحْسَنِ مُمَثِّلٍ عَنْ دَوْرِهِ الرَّائِعِ فِي شَخْصِيَّةِ الطِّفْلِ النَّهِمِ. عَمَّتِ الْقَاعَةَ هُتَافَاتُ الْفَرَحِ، وَتَعَانَقَ الْجَمِيعُ بِحَرَارَةٍ، وَكَانَتِ الدُّمُوعُ تَلْمَعُ فِي الْعُيُونِ — دُمُوعَ فَخْرٍ وَسَعَادَةٍ. رَفَعَ السَّيِّدُ عَبْدُ الْبَاقِي الْكَشْرُودِي الْكَأْسَ عَالِيًا وَقَالَ بِصَوْتٍ مَفْعَمٍ بِالْعَاطِفَةِ: "هَذَا الْفَوْزُ هُوَ ثَمَرَةُ جُهْدِكُمْ وَإِصْرَارِكُمْ… لَقَدْ كُنْتُمْ رَائِعِينَ بِحَقٍّ!" أَمَّا السَّيِّدَةُ رِيمُ الْمَغْرَاوِي فَقَدِ احْتَضَنَتِ التَّلَامِيذَ وَقَالَتْ بِفَخْرٍ: "أَنْتُمْ مِثَالٌ لِلْإِبْدَاعِ وَالْعَزِيمَةِ، وَالْيَوْمَ أَثْبَتُّمْ أَنَّ الْحُلْمَ يُصْبِحُ حَقِيقَةً بِالْعَمَلِ وَالإِصْرَارِ!" عَادَ الْجَمِيعُ إِلَى عَمْدُونَ وَقُلُوبُهُمْ تَرِفُّ سَعَادَةً، يَحْمِلُونَ مَعَهُمْ لَيْسَ فَقَطْ جَوَائِزَ جَمِيلَةً، بَلْ ذِكْرَيَاتٍ لَا تُنْسَى عَنْ رِحْلَةٍ مَلْؤُهَا الإِبْدَاعُ وَالْمَحَبَّةُ وَالنَّجَاحُ.
Show More